جنون عشاق كرة القدم

يتجاوز حب كرة القدم أحيانا حدود العقل والمنطق. ويعلم متتبعو هذه الرياضة أن بمقدور عشاقها القيام بأشياء غريبة وعجيبة يصعب تفسيرها لمن لا يهواها.

بدأت الجماهير في البحث عن سبل حضور مباريات منتخباتها في كأس العالم FIFA مع اقتراب ساعة الصفر. ورغم أن مصاريف الرحلات باهظة، إلا أن هناك من الأنصار من بمقدوره رهن منزل أسرته من أجل حضور المباريات. وينطبق هذا الأمر، الذي يبدو للوهلة الأولى مبالغا فيه، على حالة القارئ الكولومبي JDAVID83، الذي قال: "احتاج أبي 5 سنوات من أجل سداد القرض الذي حصل عليه قصد الذهاب إلى طوكيو ومشاهدة مباراة نهائي كأس أنتيركونتينونتال بين أتليتيكو ناسيونال وأي سي ميلان شهر ديسمبر/كانون الأول 1989. وأعتقد أني قادر على تكرار الأمر ذاته."



لا حدود لتضحيات جمهور الساحرة المستديرة وعشاقها، ولنا في حالة الصيني لي وينغانج خير مثال على ذلك. إذ أسس هذا الكهربائي المهووس بالكرة أول جمعية للمناصرين في الصين سنة 1984، ثم دفعه عشقه الكبير لهذه الرياضة إلى القيام بطواف عبر مختلف أرجاء البلاد من أجل تشجيع ممارسة اللعبة الأكثر شعبية في العالم. وقد أطلق عليه البعض لقب روسي، تشبيها له بالأسطورة الإيطالي، وأصبحت صورته رمزا في الصين.



أما في الأرجنتين، فقد قام أنصار فريق سان لورينزو سنة 1995 بحج جماعي إلى كنيسة لوخان الكبرى من أجل الاحتفال بتحقيق فريقهم لقب الدوري بعد غياب دام أكثر من 21 سنة. بعد ذلك بثلاثة أعوام، زارت أيقونة عذراء لوخان أنصار نادي راسينج أفيانيدا من أجل "تطهير" الملعب وإبعاد الحظ العاثر عن الفريق، الذي غابت عنه الألقاب منذ موسم 1966. وقد شهد ذلك اليوم إجراء مباراة ودية، سبقتها طقوس وشعائر للتبرك، وعرض لموسيقى الروك وإطلاق للشهب الاصطناعية. وقد شاءت الصدف أو الأقدار أن يتوج النادي بلقب البطولة ثلاث سنوات بعد ذلك.



كما يتذكر متتبعو كرة القدم كيف هبط أنصار ناديي سيلتا واشبيلية الإسبانيين إلى الشوارع، واحتجوا على قرار إسقاط فريقيهما إلى الدرجة الثانية بقرار إداري سنة 1995.



إلى أن يفرقنا الموت
ليس من الغريب المزج بين كرة القدم والمعتقدات الدينية، رغم ذلك يبقى إنشاء كنيسة وتيار ديني خاص للاحتفاء بلاعب أمرا منقطع النظير. إذ يحتفل عشاق الأسطورة الأرجنتينية دييجو مارادونا يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول من كل سنة بعيد مولد الداهية، ويعتبرون هذا التاريخ مرادفا لبداية "حقبة" جديدة، وينظمون طقوسا وشعائر خاصة، بل ويتزوجون فيما بينهم أيضا.



وتجدر الإشارة، بما أننا نتحدث عن الزواج والأعراس، إلى حالة تاي بايج، وهو شاب باكستاني سافر إلى لندن مع أصدقائه للاحتفال بزواجه القريب، لكنه وجد نفسه في مدينة اشبيلية لمشاهدة نهائي كأس الاتحاد الأوروبي UEFA لموسم 2003 وتشجيع فريقه المفضل سيلتيك، في الوقت الذي كان عليه أن يكون في مدينة لاهور الباكستانية بجوار عروسه. وبينما كان أزيد من 1500 ضيف ينتظرون قدوم العريس في باكستان، كان تاي يجيب على اتصالات ذويه الهاتفية قائلا أن الحدث تاريخي ولا يعوض، وسط عبارات تأييد من أخيه الذي كان يقول: "عليها أن تتفهم الأمر، لأنك مشجع من الطراز الأول، وأنت منخرط في النادي طوال الموسم...". وقد بقي تاي في اشبيلية، رغم أنه لم يستطع حضور مباراة النهائي، ولا نعلم إن تفهمت زوجته الأمر ولا إن كانا قد تزوجا في نهاية المطاف فعلا.



تزوج الصيني ميي نانشينج وسط ملعب لكرة القدم، وقد قال: "ربما لم أولد لألعب كرة القدم، لكني سأموت من أجلها". وفي سنة 2008، قرر هذا المشجع الكبير لفريق هويان، الذي أحبطته نتائج المنتخب المحلي، ترك عالم الساحرة المستديرة جانباً والدخول في الرهبانية البوذية بعد أن قرر ناديه المفضل الخروج من مسابقة الدوري الصيني الممتاز.



رغم فقدان هذا المشجع حب الرياضة الأكثر شعبية في العالم، فهناك من يحملون عشقها حتى بعد الموت. إذ تقترح بعض شركات تنظيم الجنائز توابيت بألوان الفرق والمنتخبات، بينما طلب أحد المهووسين بحب بيتيس من ابنه وهو يحتضر حمل رماده إلى جميع مباريات النادي. وقد وافق الابن على الطلب ولباه. أما فريق بوكا جونيورز، فقد قام بإعداد مقبرة خاصة بعشاق النادي وأنصاره، تلافيا لهذا النوع من الأمور.



لا يتم طلاء التوابيت فقط بألوان الفريق المفضل، بل يمكن طلاء الشعر والمنزل والسيارة وحتى...المدفع...نعم، يمتلك فريق شالك 04 مدفعا بألوانه...



ورغم أن دراجة أوزفالدو غارسيا غير مطلية بألوان المنتخب البرتغالي، فإنه يحمل راية البلد الإيبيري بين أغراضه، وسيقوم هذا البطل السابق في رياضة ترايل بايكينج بتسليمها لرجال كارلوس كيروش خلال المعسكر الذي سيسبق مباراتهم الأولى أمام كوت ديفوار. وقد انطلق أوزفالدو يوم 5 أبريل/نيسان من بلدة بينافييل، بالقرب من بورتو (البرتغال)، في رحلة طويلة سيقطع خلالها 20.000 كيلومتر وسيعبر 18 دولة قبل الوصول إلى فالي لودجي، بمدينة ماغالييسبورغ بجنوب إفريقيا.



كانت هذه أمثلة فقط لبعض الحماقات التي اشتهر بها عشاق الساحرة المستديرة والمهووسون بها، ولاشك أنكم تعرفون وتتذكرون الكثير من الأحداث المشابهة. لذلك لا تتردوا في سرد قصصكم وإطلاعنا عليها